السحر وراء كلمة شكراً للمرسل والمستقبل

السحر وراء كلمة شكراً للمرسل والمستقبل

منذ أيام قليلة كان جمهور موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك على موعد مع مفاجأة جديدة و هي عمل فيديو “شكراً” للأصدقاء الذين تشعر بالامتنان لوجودهم في حياتك ، و تأتي هذه المفاجأة لتذكرنا بتلك الكلمة السحرية التي تعتبر أحد المفاتيح الهامة لقلوب و عقول الآخرين .

 

لذا سوف نأخذكم في جولة حول تأثير كلمة شكراً على كلاً الطرفين ( المرسل و المستقبل ) ، و ذلك من أحدث و أشمل الدراسات العلمية النفسية التي أجريت على هذا الموضوع في العديد من الجامعات المرموقة على مستوى العالم .

 

– التأثير السحري لكلمة شكراً على قلب من نشكرهم :

 

سماع كلمة شكراً يكون له تأثير سحري على الشخص الذي يستقبل الشعور بالإمتنان من الآخرين ، و هذا التأثير ليس له مستوى واحد بل هو متعدد المستويات مما يدل على عمقه النفسي الشديد في نفسية من نشكرهم ، و تشمل هذه المستويات النفسية :

 

1 – على المستوى الفردي :

 

سماع كلمات الشكر من الآخرين يعطي الإنسان قناعة بأنه قد نجح في تحقيق هدفه الخاص بمساعدة الآخرين و جعل حياتهم أفضل، و هذا ينعكس على شعور الإنسان بالكفاءة الذاتية .

 

الشعور بالكفاءة الذاتية يعني أيماننا الداخلي بامتلاكنا للكفاءة والقدرة الكافية لإحداث فرق ، و يعتبر هذا الشعور من أهم الدوافع النفسية لدى جميع البشر التي تدفعهم للعمل و التقدم في الحياة .

 

و تشير الدراسات النفسية بشكل مؤكد أن شعور الإنسان بكفاءة ذاتية في أحد الأنشطة يدفعه لبذل المزيد من الوقت و الجهد في هذا النشاط ، بدافع الإيمان بأن هذا النشاط ينجح في صنع فرق في الحياة و لن يضيع هباءاً .

 

2 – على المستوى الاجتماعي :

 

تشير الدراسات النفسية إلى أن سماع كلمات الشكر من الآخرين يمنح الإنسان شعوراً بتقدير المجتمع و الجماعة لقيمته و قيمة ما يبذله من وقت و جهد في سبيل مساعدة الآخرين .

 

و يعتبر هذا الشعور بتقدير الجماعة لتضحيات الفرد عامل أساسي لإستمرار عطاء الفرد نحو الآخرين في مجتمعه؛ حيث أن الشعور بالإنتماء لمجتمع يتطلب بالضرورة أن يشعر الفرد أن هناك من يحتاجه ، من يقدر بتضحياته ، و من يهتم به .

 

و بدون هذا التأثير الجمعي الهام لكلمة شكراً يتفكك المجتمع ببطء تاركاً ورائه مجموعة من الجزر الشخصية المنعزلة الخالية من أي شعور بالانتماء أو المسئولية تجاه الآخرين .

 

– هناك نوعين من التعبير عن الشكر و الامتنان :

 

 

1 – الشكر المرتبط بمصلحة مباشرة :

 

و هو هذا النوع من الشكر و الامتنان الذي نشعر به تجاه أحد الأشخاص الذي يقدم لنا مساعدة مباشرة في نطاق زمني ضيق ، و غالباً ما تكون استفادتنا من وراء هذه المساعدة استفادة مادية و مباشرة أو استفادة نفسية و معنوية على المدى القصير .

 

2 – الشعور العام بالامتنان : 

 

و هذا هو النوع من الشكر الذي نشعر به تجاه شخص ذو قيمة في حياتنا ، و الشكر في هذه الحالة يكون غير مقتصر على مصلحة مباشرة ، و لكنه يكون شعور مستقر و طويل المدى تجاه الأشخاص المقربين لنا مثل الأسرة و الأصدقاء المقربين .

 

و الشعور بالشكر و الامتنان بكلا نوعيه يلعب دور أساسي في تشجيع الناس على السلوك الاجتماعي الطيب و الايجابي ، كما أنه على المستوى الفردي يعتبر عامل هام جدا للحفاظ على العلاقات الإنسانية و تنميتها .

 

 

– دور التعبير عن الشكر و الامتنان في الحفاظ على العلاقات الإنسانية :

 

تلعب كلمة شكراً دوراً هاماً للغاية في عملية تنمية و تطوير العلاقات الإنسانية ؛ حيث تلعب دوراً ثنائياً داخل كل إنسان :

 

 

1 – دافع :  تكون كلمة شكراً في العلاقات الإنسانية دافعاً قوياً للطرف المانح لبذل المزيد من أجل تنمية العلاقة و الحفاظ عليها .

 

2 – أداة قياس : من الناحية الأخرى ، تكون كلمة شكراً أداة نفسية لقياس مدى اهتمام الطرف الآخر بما نقدمه في العلاقة الإنسانية ، حيث تعبر كلمة شكراً دليل على أن الطرف الآخر يبالي حقاً بنا و بما نبذله في سبيل العلاقة الإنسانية بيننا .

 

و هذا التأثير الرائع لكلمة شكراً لحدث بشكل متبادل بين جميع أطراف العلاقة ، و في الوضع الطبيعي ينبغي أن يكون عامل مشجع لكافة الأطراف على بذل المزيد من اجل الحفاظ على العلاقة و تنميتها .

 

 

– الشخص الذي يقول شكراً تكون له هذه الصفات :

 

في دراسة تهدف لاكتشاف السمات التي تميز شخصية الأفراد الذين يكثرون من قول كلمة شكراً تعبيراً عن الامتنان لغيرهم ، وجد أن الأغلبية من هؤلاء الأشخاص يتسمون بالتالي :

 

1 – توظيف العواطف بشكل ايجابي في حياته .

 

2 – علاقات اجتماعية جيدة .

 

3 – أقل عرضة لنوبات الغضب و العنف .

 

4 – أقل عرضة للاكتئاب و الانهيار النفسي .

 

5 – قدرة أكبر على اصطياد المشاعر الايجابية في وسط يوم سيء .

 

6 – شعور بقدر اكبر من النشاط و الرغبة في العمل .

 

7 – شعور أكبر بالطمأنينة الناتجة عن الثقة و الإيثار .

 

8 – منفتح أكثر على أفكاره و مشاعره ، و أكثر صدقاً مع ذاته .

 

9 – شعور أكبر بالقدرة على التنافس مع الآخرين .

 

10 – الشعور بالواجب تجاه الآخرين .

 

 

– التأثير السحري لكلمة شكراً على من يقولها :

 

وجدت بعض الدراسات التي أجريت بهدف اكتشاف تأثير كلمة شكراً على من يقولها بعض النتائج المدهشة ، حيث وجدت أن ممارسة عينة من الأشخاص لتمرين يهدف لتعزيز شعورهم بالامتنان على مدار عدة أسابيع تؤدي إلى :

 

1 – نظرة أكثر تفاؤلاً نحو الحياة .

 

2 – معدل أكبر لممارسة التمارين الرياضية الأسبوعية .

 

3 – الشعور بدافع أقوى نحو مساعدة الآخرين .

 

4 – نوم أفضل من حيث عدة الساعات و الشعور بالنشاط بعد الاستيقاظ .

 

5 – الشعور بالتواصل و الحميمية مع الآخرين .

 

 

– كيف تفعل كلمة شكراً هذا التأثير السحري على من يقولها ؟

 

رغم أن الدراسات النفسية مازالت تضع الآليات المفترضة وراء التأثير السحري لكلمة شكراً موضع دراسة أوسع ، إلا أن هناك بعض الفرضيات العلمية ذات المصداقية و التي ترجع التأثير السحري لكلمة شكراً على من يقولها إلى الآليات النفسية التالية :

 

1 – الآلية السلبية :

 

يقصد بهذه الآلية الشعور الذي يحدث عن الأشخاص الذين لا يقولون شكراً و ليس لديهم شعور بالامتنان تجاه الآخرين .

 

هؤلاء الأشخاص يقوموا بترجمة كل مساعدة من الآخرين وفق التفسيرات التالية ؛

 

نحن لم نكن بحاجة إلى هذه المساعدة من الأساس! – تقليل قيمة المساعدة .

 

لم يكن الشخص الذي ساعدنا لديه شيء أهم ليفعله على أي حال بوقته  ! – تقليل كلفة المساعدة على الطرف الآخر .

 

لقد أراد الشخص الذي ساعدنا أن يثبت لنا أنه أفضل منا ليس أكثر ! – تقليل قيمة الإيثار لدى الطرف الآخر.

 

2 – الآلية الايجابية :

 

على عكس الآلية السلبية ، فإن الأشخاص الذين يقولون كلمة شكرا و يشعرون بالامتنان لمن يساعدوهم لديهم إحساس أكبر بدعم الآخرين لهم ، مما يمنحهم قدرة أكبر على رؤية الموارد الخارجية التي يمكن أن تساعدهم في حياتهم ؛ حيث تكون لديهم قناعة صادقة أن العديد من الأشخاص يرغبون في مساعدتهم ، و هكذا تزداد ثقتهم بأنفسهم و في نفس الوقت تزداد قدرتهم على الاستفادة من كل الموارد المتاحة من قبل الآخرين .

 

3 – آلية الاعتراف بالواقع و مواجهته :

 

قدرة الأشخاص الذين يقولون شكراً على الاعتراف بأن الآخرين قدموا لهم مساعدات حقيقية تستحق الامتنان تنعكس أيضا على قدرتهم على مواجهة الواقع و الاعتراف بمشاكله و السعي لحلها من خلال التحليل المنطقي و البحث عن حل ايجابي ، كما أن احتمالات هروبهم من المشاكل بوسائل غير صحية مثل الإدمان و الانفصال عن الواقع تعتبر أقل بكثير .

 

4 – الآلية الخاصة بالمشاعر الايجابية :

 

و هذه الآلية هي عامل عام مفيد عن اختبار الإنسان لأي شعور نفسي ايجابي ، و من ضمن هذه المشاعر الايجابية الشعور بالامتنان تجاه الآخرين إلي يصاحب قول كلمة شكراً .

 

المشاعر السلبية هي جزء طبيعي من تكوين البشر النفسي ، و وظيفتها الأساسية تتمثل في المواقف الضاغطة ؛ حيث تدفع الإنسان تضييق نطاق التركيز على قلب المشكلة و العمل على البحث عن حل لها .

 

لكن على الجانب الأخر ، نجد أن المشاعر الايجابية هي التي تمنحنا القدرة على توسيع نطاق الرؤية ( على عكس نطاق التركيز الضيق في الأوقات الضاغطة ) ، مما يمنحنا فرصة لاستكشاف الواقع بكافة موارده و إمكاناته و تطوير مهاراتنا الإدراكية بما يمكننا أن نكون مستعدين بشكل أفضل عند مواجهة المشكلة القادمة في حياتنا .

 

5 – آلية التأقلم :

 

و أخر الآليات التي تؤدي للتأثير السحري لقول كلمة شكرا و الشعور بالامتنان ، و هو أن هذا الشعور يمنحنا قدرة أفضل على تفسير أحداث حياتنا بشكل أكثر ايجابياً ، مما يمنحنا قدرة أكبر على الاحتمال و اجتياز الأوقات الصعبة .

 

 

– الشكر ليس دائماً نحو الأشخاص :

 

ومما لا شك فيه أن شعورنا بالامتنان و الرغبة في قول شكراً ليس فقط تجاه الأشخاص ، بل يشمل أيضا :

 

– شعورنا بالامتنان لمنح الخالق سبحانه و تعالي لنا .

 

– شعورنا بالامتنان للبيئة ، وقول لكمة شكراً في هذه الحالة يكون من خلال الحفاظ عليها .

 

– شعور بالامتنان للكائنات الأخرى مثل الحيوانات ، و قول كلمة شكراً في هذه الحالة يكون من خلال الرحمة و الرفق بهذه الحيوانات .

 

 

– الوصفة السحرية لرفع شعورك بالامتنان :

 

1 – جرب أن تجلس في نهاية كل أسبوع لتكتب قائمة بعشر أحداث جيدة تشعر بالامتنان لحدوثها ، و اكتب بجانبها الشخص الذي يستحق الشكر على هذه الهدايا .

 

2 – اجعل هدفك في الأسبوع التالي هو شكر هؤلاء الأشخاص الذين قدموا لك شيء جدير بالامتنان .

 

3 – إياك و مقارنة نفسك بغيرك ، فقط قارن نفسك اليوم بما كنت عليه قبل عام و كن في منافسة مع نفسك لتكون إنسان أفضل و أنجح مما كنت عليه بالأمس .

 

 

هكذا تثبت لنا الدراسات العلمية النفسية أننا حين نقول شكراً لأحد الأشخاص سواء كان شخصاً عزيزاً على قلوبنا أو مجرد سائق وقف بسيارته من اجل السماح لنا بعبور الشارع بأمان ، كيف أننا حين نقول شكراً لهؤلاء فإننا نكون بحاجة لهذه الكلمة بقدر حاجة الذي نشكره لها ، و كيف أن هذه الكلمة هي الضمانة الوحيدة لأن نحافظ على علاقاتنا الإنسانية قوية و متجددة و أن نحافظ كذلك على مجتمع صحي و متعاون . . . و بدون هذا التأثير الجمعي الهام لكلمة شكراً يتفكك المجتمع ببطء تاركاً ورائه مجموعة من الجزر الشخصية المنعزلة الخالية من أي شعور بالانتماء أو المسئولية تجاه الآخرين – هل يذكركم هذا بشيء ؟

 

 

 

* تشمل الجامعات التي أجريت فيها الدراسات الواردة في المقال ؛ جامعة كاليفورنيا ، جامعة بنسلفانيا ، جامعة مانشستر ، جامعة ساوث هامبتون ، جامعة أمستردام ، جامعة نورث كارولينا .

 

اخترنا لك أيضاً:

  • قريباً.. فيس بوك يطمئن على صحتك !
  • كيف تساعد شخصاً مريض على مواجهة المرض
  • فاقدي الثقة في أنفسهم يتباهوا بحياتهم على فيسبوك

 

 

إعداد : د. كريم عادل مكاوي

فريق كل يوم معلومة طبيبة

اقرأ المزيد في قسم الصحة النفسية

 

 

للإستمتاع بخدمة شكراً أنقر هنا:  Thanks

 


مواضيع مشابهه

أمراض العين الـ 12 التي يجب الحذر منها

أمراض العين الـ 12 التي يجب الحذر منها

العين عضو مهم جدا في جسم الإنسان، وهي وسيلتنا في الحياة لرؤية الأشياء حولنا، لذلك يجب أن نحافظ عليها وأن نكون

هل نقص فيتامين د يسبب زغللة العين ؟

هل نقص فيتامين د يسبب زغللة العين ؟

فيتامين د من الفيتامينات الهامة لصحة الجسم وخاصةً صحة العظام، ونقص فيتامين د يؤثر على صحة الجسم بصورة كبيرة،

قطرة توسيع العين .. أهميتها وآثارها الجانبية

قطرة توسيع العين .. أهميتها وآثارها الجانبية

توسيع العين وتمدد انسان العين جزء هام من فحص العيون، ويستخدم الأطباء قطرة توسيع العين لهذا الغرض، وفي هذا المقال